اتصلت بزميلتي في بريطانيا لمناقشة موضوعات تخص العمل، وقبل الخوض في تفاصيل المشروعات قدّمت لها التهاني بمناسبة تماثلها للشفاء، فقد داهمها المرض نتيجة البرد القارص الذي ضرب بريطانيا مبكراً، ثم صمتُّ بُرهة وقلت تخيلي يا زميلتي أنك في بريطانيا مُحاطة بالتدفئة المركزية ولا تعجزين عن شراء الملابس الشتوية، ولديك فراش دافئ ومنزل جميل ورغم ذلك داهمك المرض وألزمك البيت أيام رغم توفر الطب والدواء أيضاً، فما حال أطفال في خيام، ونساء بين الحدود نيام، وكبار سن يفترشون الأرض ويلتحفون السماء دون جدار يتلقفون المطر بصدور عارية ويفتك البرد بأجسادهم الضعيفة.
عاد الشتاء وبدأت ملامح الذعر تعتري الفقراء والمهمشين في مناطق تواجد اللاجئين ومناطق الصراع والنزاع، لكَ أن تتخيل أب وأم يتهامسان ليلاً كيف لهما توفير الدفء والمأوى والطعام والدواء لأطفالهم في وقت لا يتجاوز فيه دخل الأسرة الـ3$ دولار يومياً، وإن شئت الدقة معظمهم يبيت دون دخل، فإن تحمل الأب والأم قسوة الليالي الباردة وشدة الأمطار المجتاحة لمساكنهم وخيامهم المؤقتة فنقطة ضعفهم قاصمة ظهورهم أطفالهم والحفاظ على حياتهم.
أفادت مفوضية شؤون اللاجئين أن اليوم هناك 3.88 مليون لاجئ ونازح في سوريا ولبنان والأردن والعراق يستقبلون الشتاء في خيام وأبنية غير مكتملة وسط الفقر والخوف مِمّا يخبئه لهم من عواصف تزيد من معاناتهم، سيّما وأن كثيرون منهم يعيشون في مناطق تنخفض فيها درجات الحرارة إلى 12 درجة مئوية تحت الصفر.
فيما يرزح أهالي قطاع غزة تحت حصار لأكثر من 13 عام وعدوان متكرر، تاركاً العديد من البيوت المدمرة والعائلات المشردة دون مأوى والآلاف من الشهداء والجرحى، اثنين مليون فلسطيني يعيشون في قطاع غزة يعتمد معظمهم على المساعدات الإنسانية المُقدمة من المؤسسات المانحة، وكما اللاجئين في دول الجوار فإن آلاف الأسر الفلسطينية تعيش في أبنية غير مكتملة البناء، أو بيوت من البلاستيك أو الخيام، أذكرُ وأثناء تجولنا في قطاع غزة لتوزيع مساعدات إنسانية وقفتُ على حال أسرة فلسطينية ممتدة استأجروا مكانا كالذي يُستخدم للمحال التجارية أسفل عمارة متعددة الطوابق، وقام الأخوة بتقسيم المساحة بأغطية قماشية عوضاً عن الجدران ليحظوا ببعض الخصوصية، أكثر من 25 فرداً يعيشون في مساحة ضيقة دون جدران يسترهم القماش، لا المكان مهيئ للسكن ولا الطعام كاف ولا أحد منهم يعمل.
تتعدد مشاهد المأساة وتكثر الاحتياجات في فصل الشتاء، فمن الحاجة للملابس الشتوية التي تقي برد الشتاء، إلى متطلبات الحصول على الأحذية المخصصة للمطر خصوصاً لأطفال المدارس، مروراً بالحاجة للتدفئة في ليالي الشتاء القارصة، دون الخوف من أن يحترق الأطفال نيام نتيجة استخدام خاطئ للتدفئة التي تعتمد على الحطب والفحم ودون القلق أن يموت الأطفال ذعراً قبل أن تحرقهم شمعة يحاولون الاحتماء من نيرانها في خزانة الملابس داخل الغرفة المحترقة ظنا منهم أنها مانعة عنهم لهيب النيران المستعرة.
لك أن تتخيل طفلك يلفظ أنفاسه الباردة الأخيرةً وقد تجمدت أطرافه بين يديك وتعجز عن تدفئته وانقاذه، ولك أن تتخيل والدك وقد اختنق بدخان الحطب المُقاد للتدفئة أثناء نومه، ولك أن تتخيل طفلتك تعبر الشارع إلى مدرستها وقد ارتدت ملابس صيفية في شتاء منهمر مطره وتعصف بها رياحه نتيجة عدم قدرتك على شراء الملابس الشتوية لها، صورٌ متعددة إن تخيلتها فلا داعي لحديث الأرقام والإحصاءات الجامدة فمن لا تُحركه الصورة المتخيلة في هذا المقال لن تُحركه الإحصاءات والأرقام.
المؤسسات الإنسانية مطالَبة بالتحرك لإغاثة اللاجئين وتوفير احتياجاتهم، وعلى الإعلام مسارعة تسليط الضوء على معاناتهم خلال فصل الشتاء والتوعية بضرورة التدخل قبل تفاقم الأمر، ليس علينا الانتظار لأن يسقط الضحايا في مخيمات اللجوء وبين النازحين بجوار الحدود حتى نُسارع بالحديث عن ضرورة التدخل، يكفي من مضوا العام الماضي ولنبدأ الحفاظ على الأرواح قبل فقدان بعضها.
وعلى المستوي الفردي من يستطيع شراء ما يلزمه ويلزم أطفاله من لوازم الشتاء ليتفقد جاره ويساعد بما يستطيع، فنحن جسد واحد، اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.