الرئيسية
اكفل يتيم
خواطر مبعثرة من منطقة الزلزال
تاريخ النشر 16-03-2023

كتبه: أدهم أبو سلمية..

في خيام النازحين أطفالُ لم يختاروا أماكنهم بل وجدوا أنفسهم فيها بلا حول منهم ولا قوة..

مع ساعات الفجر بدت الخيمة شديدةُ البرودة وهي ذاتها التي جلسنا فيها ظهر الأمس وكانت شديدةُ الحرارة، فدرجات الحرارة متفاوتة بشكل كبير بين الليل والنهار في هذه الأيام.

في مخيمات المتضررين من الزلزال يكافحُ الناس للتأقلم ريثما يعودون لبيوتهم، لكن التحديات كبيرة، والظروف معقدة، فالمسألة هنا ليست خيمة توضع والسلام؛ لكن ما بعد الخيمة؟! لا أتحدث هنا عن الكماليات بل أبسط الأساسيات "الطعام، المطبخ، الحمام، الخصوصية، الملابس، الدراسة"!!! تفاصيل أصبح التفكير فيها رعبًا حقيقيًا لأن التفكير هنا يُصاحبه الكثير من القلق والخوف والترقب..

تجولت في المخيم وكالعادة أبحث عن البراءة والطفولة، في الحقيقة أن أبحث عنهم لأبتسم قليلًا، فعيون الكبار هنا حائرة متألمة، موجوعة، قلقة؛ بينما عيون الأطفال بريئة تمنحك قسطًا من الأمل المفقود هنا. لقد وجدتهم وتبادلت معهم الكثير من الضحكات والابتسامات، وزعت الحلوى والبالونات عليهم ولم أنسى ابنتي إيمان فما جمعته في "حصاتها" الصغيرة أعطتني إياه لتوزيعه على الأطفال وقد فعلت الحمد لله..

لم تكن الخيام وحدها الحكاية، فثمة أحياء مُنهارة في محيط كل مخيم، تخيل معي المشهد؛ تجلس أنت في خيمة قد لا تزيد عن 15 متر مربع، وبمجرد أن تفتح بابها حتى تجد في وجهك مباشرة "شقاء العمر، وتحويشة السنين" بيتك منهارًا أمامك!! والأكثر رعبًا في المشهد حين أخبرتني تلك العجوز الثمانينية أن عائلة نجلها قد فُقدت تحت أنقاض هذا المنزل!!

في "كهرمان مرعش" مركز الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا فجر السادس من فبراير 2023م، وبينما كنا نقوم بمهمة إغاثية لمساعدة المتضررين، كان معنا عمر صديقي القادم من أمريكا والذي جاء للمهمة ذاتها ينادي علي بصوت مرتفع ويقول:"أنت شامم الرائحة"؟!
قلت: طبيعي، بيوت مدمرة!!
قال: لا؛ بل رائحة الموت، واضح أن بعض الأشخاص لم يتم انتشال جثثهم بعد..
تدخل هنا أيوب صديقنا التركي مؤكدًا كلام عمر، نعم البحث ما زال جاريًا على الكثير من المفقودين تحت الأنقاض..
كالعادة؛ كان الصمت هو سيد المشهد، فرسالة أفاد "هيئة الكوارث التركية" تقول أن عدد الضحايا ارتفع في الخمسة أيام الأخيرة من 46 الف إلي 49 ألف تقريبًا وهو ما يؤكد كلام صديقنا التركي أيوب!!

هكذا كان يمضي يومنا بطيئًا ثقيلًا صادمًا مرعبًا، بين الخيام تارة وبين الركام تارةً أخرى، فهنا لا تتوقف عن التسبيح والاستغفار، هنا تزدحم الأفكار، هنا تطرح الأسئلة الكثيرة: كيف أن الله أمر الأرض التي دللها لنا لتتمرد علينا لنحو الدقيقتين فقط!! نعم تمردت وكانت هذه النتيجة!! فبأي قوة نتمرد نحن البشر كل يوم على خالقنا سبحانه وتعالى؟! 

عدت للمخيم، حاولت تشتيت هذا الزحام من الأفكار باللعب مجددًا مع الأطفال، كانت فكرة بائسة فكل ما حولك لا يُساعدك على هذا الهروب المرجو، اللهم إلا ذلك الأمل المنبعث من عيون الأطفال، لكن الواقع على الأرض معقد لدرجة تجعل الحليم حيران لهول المشهد، وصعوبة ما خلفته كارثة الزلزال في مناطق شاسعة من الجنوب التركي والشمال السوري. ويبقى السؤال هنا: إذا كنا قادرين على إنهاء الآثار الملموسة للزلزال في بضعة أشهر، فكم من الوقت نحتاج لترميم الآثار النفسية والاجتماعية التي خلفها الزلزال؟!

لا أعرف كيف أُنهي هذه الخاطرة من الأفكار المزدحمة بعد شهر من العمل المتواصل في الجنوب التركي والشمال السوري، في الحقيقة أنا مشتاق جدًا لعائلتي، أشعر بالحنين لأطفالي بعد كل هذا..
سأعود لأخبرهم "أني في منطقة الزلزال رأيت الله"..

تواصل معنـــــا
حقوق النسخ محفوظة لمؤسسة الخير 2024