يعيش حوالي 2.3 مليون نسمة في قطاع غزة في ظل حصار مشدد ومستمر منذ أكثر من 16 عاما، تخلله أربعة اعتداءات مُدمرة، الأمر الذي أدى إلى تدهور الوضع الإنساني، وحَول القطاع إلى "منطقة منكوبة" لا تصلح للحياة بحسب منظمات دولية.
انعكس الحصار المتواصل والاعتداءات المتلاحقة على كافة مناحي الحياة وخلف وراءها مآسي إنسانية متعددة، ووفق المرصد الأورومتوسطي شهدت معدلات الفقر في قطاع غزة ارتفاعًا حادًا بفعل إجراءات الإغلاق والحصار، إذ قفزت من 40% في عام 2005 إلى 69% في عام 2021.
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أن الحصار الإسرائيلي طويل الأمد تسبّب بتضاعف مؤشرات الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، إذ كانت تبلغ نسبة البطالة قبل فرض الحصار في عام 2005 نحو 23.6%، في حين وصلت عند نهاية عام 2021 إلى 50.2%، لتكون من بين أعلى معدلات البطالة في العالم.
نصف سكان قطاع غزة تحت خط الفقر
يعيش أكثر من نصف سكان قطاع غزة تحت خط الفقر بنسبة تخطت 53%، في ظل انعدام ونقص حاد في الأمن الغذائي وصل 68.5%.
ومن جانب آخر بات أكثر من 80% من الأسر في قطاع غزة تعتمد على المساعدات الإنسانية في تلبية احتياجاتها الأساسية، في حين أفاد تقرير نشرته مؤسسة الميزان لحقوق الأنسان بالتزامن مع الثامن من آذار2022، أن حوالي 79.269 أسرة في القطاع بمجمل 471.888 فردًا، حرموا من مخصصات الشؤون الاجتماعية، حيث أن حوالي 37.7% من أرباب تلك الأسر المستفيدة هم من النساء، و50% منهم سيدات أرامل.
وعلى المستوى الاقتصادي، تسبب الحصار بتراجع حاد في مختلف المؤشرات الاقتصادية في قطاع غزة، وأدّت إجراءات الإغلاق الطويلة وحظر التصدير والاستيراد، والتدمير المباشر للمصانع والمنشآت الاقتصادية، إلى إلحاق خسائر فادحة في القطاعات الاقتصادية والإنتاجية كافة، إذ تسبب العدوان الأخير على غزة في مايو/ أيّار 2021 وحده بتدمير مئات المنشآت الاقتصادية، بإجمالي خسائر نحو 400 مليون دولار أمريكي.
اثنين من كل خمسة فلسطينيين يحتاجون المساعدة
وصلت الحالة الإنسانية في قطاع غزة إلى مستويات غير مسبوقة، وبحسب خطة الاستجابة الإنسانية التي أطلقها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة (أوتشا) أن اثنين من كل خمسة فلسطينيين يحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية في العام 2022 نحو 64% منهم يعيشون في غزة.
وأفادت (أوتشا) أن الحصار الإسرائيلي والانقسام الداخلي الفلسطيني وحالات التصعيد المتكررة ترسخ اعتماد السكان على المساعدات، مما يُبقي على معدلات البطالة والفقر عند مستويات مرتفعة، كما تسهم السياسات الإسرائيلية، كالمستوطنات غير القانونية وعمليات الهدم والإخلاء في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، في استمرار الاحتياجات، بسبب ترحيل السكان قسرًا عن ديارهم، وما يقترن بها من إنكار الحقوق والحريات الأساسية.
جائحة كورونا ومنظومة صحية متهالكة
يواجه القطاع الصحي في غزة أزمة ممتدة منذ سنوات بفعل الحصار الإسرائيلي طويل الأمد، والذي تسبب في شح دائم في الأدوية والمستلزمات والمعدات الطبية الأساسية، وبالتالي ضعف الخدمات الصحية المقدمة للسكان.
ويعد القطاع الصحي من أكثر القطاعات تضررًا من سياسات المنع الإسرائيلية، حتى شارف على الانهيار الكامل خصوصًا مع بدء تفشي جائحة كورونا داخل القطاع أواخر شهر أغسطس/آب 2020.
واجهت المنظومة الصحية في غزة جائحة كورونا بإمكانيات محدودة جدلً ونقص في المستلزمات الطبية، من أهمها شرائح الفحص اللازمة لاكتشاف الفيروس، وأجهزة التنفس للحالات الخطيرة والأجهزة الخاصة بتشخيص المصابين ، بالإضافة إلى مستلزمات الوقاية المخصصة لحماية الطواقم الطبية، والأدوية والمستهلكات الطبية، التي لطالما ماطل الاحتلال في إدخالها للقطاع.
كما مرت الحالة الوبائية في قطاع غزة بأوقات حرجة خلال شهري إبريل وسبتمبر من العام 2021 نتيجة الزيادة المستمرة في أعداد المصابين وارتفاع أعداد الحالات الحرجة والوفيات، ثم دخول متحور أوميكرون الجديد الأسرع انتشاراً.
سكان قطاع غزة يتسممون ببطء
إن توافر مياه نقية ويسهل الحصول عليها بالنسبة للجميع هو جزء أساسي من أهداف التنمية المستدامة، الغاية الأولى من الهدف السادس تركز على حصول الجميع بشكل منصف على مياه الشرب الآمنة والميسورة التكلفة بحلول عام 2030.
ففي الوقت الذي لا تصل فيه امدادات المياه بشكل منتظم للسكان في القطاع، فإن نحو ربع سكان غزة بحاجة للانتظار أربعة ايام لتصلهم المياه، الأمر الذي أرهق كاهل المواطن الغزي الذي يعاني أساساً من الفقر ، وفاقم الأمر أزمة المياه بانعكاساتها الصحية وما تخلفه من أمراض، والحاجة الدائمة لشراء المياه النظيفة يُضيف عبئاً جديداً عليه.
وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في بيان مشترك مع المعهد العالمي للمياه والبيئة والصحة أن سكان قطاع غزة يتسممون ببطء، حيث أن 97% من المياه في القطاع غير صالحة للشرب بسبب الحصار الإسرائيلي طويل الأمد.
وذكرت المنظمتان، خلال الدورة العادية الثامنة والأربعين لمجلس حقوق الإنسان، أن أزمة الوقود وانقطاع الكهرباء المستمر تعيق تشغيل آبار المياه ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي، الأمر الذي أدى إلى تصريف نحو 80% من مياه الصرف الصحي غير المعالجة في غزة في البحر بينما يتسرب 20% منها إلى المياه الجوفية.
وقد تسبب العداون الأخير على غزة مايو الماضي في تفاقم الأزمة الموجودة أصلا نتيجة للدمار الكبير الذي ألحقه في البنى التحتية في جميع محافظات القطاع.
كما يتسبب تلوث المياه في نحو ربع الأمراض المنتشرة في غزة ، حيث أن 12% من وفيات الأطفال والرضع مرتبطة بأمراض معوية ذات صلة بالمياه الملوثة.
قطاع غزة والانهيارات المتتالية
شهد قطاع الاقتصاد في غزة انهيارات متتالية خلال سنوات الحصار، فبمجرد فرض الحصار عام 2006، دخل اقتصاد غزة حالة من الركود، حين شمل الحصار إغلاقًا شبه كلي للمعابر التجارية، الأمر الذي تسبب في شـل الحركة الاقتصادية، خاصـة فـي الفتـرات التـي تشن فيهـا القوات الإسرائيلية هجمـات عسـكرية علـى القطـاع.
من جهة أخرى أدى العدوان الأخير على قطاع غزة إلى تدمير كلي لما يقارب 2,200 وحدة سكنية، بالإضافة إلى تدمير جزئي لـ 15,000 وحدة سكنية، وأصبح ما يزيد عن 1,000 منزل غير صالح للسكن، يحتاج أصحابها لتوفير مسكن دافئ، أو إعادة ترميم منازلهم المتضررة، عدا عن الآلاف من الوحدات السكنية التي تم تدميرها في عدوان 2014 ولم يتم إعمارها أو تعويض أصحابها حتى اليوم.
يحتاج قطاع غزة المنهمك في عد خساراته إلى الدعم في العديد من كل المجالات أهمها مجال التنمية الاجتماعية ومجال التعليم والتمكين الاقتصادي والإسكان، بالإضافة إلى دعم وتطوير القطاع الصحي، ومجال إصحاح المياه.