تحولت الهجمات الوحشية التي شنتها إسرائيل على غزة إلى إحدى أحلك صفحات التاريخ البشري، مخلفة جروحاً عميقة في ضمير العالم ومسببة مأساة إنسانية لا مثيل لها عبر التاريخ. لم تقتصر هذه الاعتداءات الوحشية على انتهاك حق الحياة للمواطنين الأبرياء، بل اجتثت أيضاً القيم الإنسانية الجامعة وهدمت الركائز الأساسية للقانون الدولي.
الدمار المنهجي الذي تواصله إسرائيل لا يقتصر على إزهاق أرواح عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء وتشريد الملايين قسراً، بل يترك وراءه جروحاً مجتمعية غائرة ستورّث للأجيال القادمة، ما يشكل صفعة مؤلمة لكرامة الإنسانية. في غزة، لم تسلم المناطق السكنية ولا المستشفيات ولا المدارس ولا دور العبادة ولا ميادين الحياة المدنية من الاستهداف الوحشي؛ فغدت المدن خراباً وضاع إرثها التاريخي والثقافي في غياهب الدمار.
في هذا الفصل المخجل من تاريخ البشرية، تزداد الأزمة الإنسانية في غزة عمقًا مع مرور كل يوم. حُرم المدنيون الذين تُنتهك حقوقهم الأساسية بانتظام من مقومات الحياة البسيطة كالغذاء، الماء النقي، الكهرباء، العلاج الطبي، والمأوى. الأطفال، النساء، كبار السن، وذوو الاحتياجات الخاصة، كونهم الأكثر هشاشة، دفعوا الثمن الأثقل لهذه المأساة. آلاف الأطفال يكابدون الجوع، المرض، سوء التغذية، وصدمات تفوق احتمالهم، فيما يُترك الجرحى دون أدنى رعاية طبية يصارعون للبقاء على قيد الحياة.
ما يحدث الآن لم يعد مجرد أزمة إقليمية تخص بقعة جغرافية بعينها، بل أصبح امتحانًا لضمير البشرية، ومسؤولية إنسانية تقع على عاتق الجميع دون استثناء. في ظل عجز المجتمع الدولي عن اتخاذ موقف فعال وإبداء رد الفعل اللازم، قررت منظمات المجتمع المدني التحرك. وقد شدد الرئيس رجب طيب أردوغان على ضرورة تضامن دول العالم لدعم غزة وإعادة إعمارها، مؤكداً استمرار الوقوف إلى جانب شعب غزة. أمام صمت المجتمع الدولي وعجزه عن تقديم الاستجابة المنشودة، ارتأت منظمات المجتمع المدني ضرورة التحرك. وقد أشار الرئيس رجب طيب أردوغان إلى أهمية توحيد جهود دول العالم لدعم غزة وإعادة إعمارها، مؤكداً مواصلة الوقوف بثبات إلى جانب أهلها.
في هذا السياق، تُعد قمة المساعدات الإنسانية لغزة التي أُقيمت في إسطنبول تحت إشراف وقف ديانة التركي ومؤسسة الخير، بمثابة دعوة عميقة لزيادة الوعي والعمل الجماعي على المستوى العالمي من أجل غزة. حضر القمة 200 منظمة إنسانية من 40 دولة، شاملة آسيا، أفريقيا، أوروبا والأمريكتين، في منصة واسعة هدفها البحث عن حلول للأزمة الإنسانية في غزة، تقوية التنسيق بين المبادرات الإغاثية، وإطلاق دعوة عاجلة للمجتمع الدولي للتحرك.
لقد تم تنظيم هذه القمة لتحديد الخطوات العملية التي يمكن أن يتخذها المجتمع المدني لمواجهة هذه الأزمة، وصياغة خطط عمل مشتركة، وتقديم حلول لفتح ممرات الإغاثة العاجلة. الحلول التي سيتم عرضها في السطور القادمة، ستكون ثمرة هذه القمة التي سيتم تقديمها إلى المجتمع العالمي.
في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ الإنسانية، قمة المساعدات الإنسانية لغزة توجه نداءً عاجلاً للمجتمع الدولي للتحرك فورًا. السكوت أمام هذه المأساة لن يؤدي فقط إلى تعميق الآلام الحالية، بل سيفتح جروحًا لا تلتئم في ضمير الأجيال القادمة. كل خطوة نخطوها اليوم ستؤسس لعالم أكثر عدلاً وإنسانية في المستقبل.
هذه البيان ليس فقط نداء للمساعدة، بل هو وثيقة تاريخية تسعى لإعادة بناء ضمير الإنسانية وقيمها التي تجمعنا جميعًا. على كل عضو في المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته لإنهاء هذه المأساة الإنسانية وبدء شفاء الجروح التي ألمّت بالبشرية جمعاء. إعادة إعمار غزة وعودة الحياة إلى طبيعتها ليست مسؤولية فحسب، بل هي واجب مشترك يتعين على كافة أفراد الإنسانية القيام به.
إن المشاركين في القمة يعبرون عن عزمهم الراسخ على تنفيذ الاقتراحات الواردة أعلاه، ويدعون جميع الفاعلين الدوليين إلى اتخاذ خطوات حاسمة ضمن إطار هذه المسؤولية الإنسانية. يجب أن يتم الاستجابة لهذا النداء بشكل فوري من أجل تأمين مستقبل مشترك للبشرية.